تشهد حركة الوصول المفتوح توسعًا مستمرًا يُسهم في جعل البحوث الأكاديمية متاحة على نطاق أوسع، بما يعود بالنفع على الباحثين والجمهور على حد سواء. وتعمل مبادرات العلوم المفتوحة، التي تقودها جهات رائدة مثل مكتبة (OAPEN) ودليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB)، على إرساء ملامح منظومة نشر جديدة تتّسم بالشمول والاستدامة والعدالة. وفي إطار التزام المنتدى بدعم مسارات الاتصال العلمي المفتوح، أجرينا حوارًا مع نيلس ستيرن، المدير التنفيذي لمكتبة (OAPEN) والمدير المشارك في (DOAB)، لاستكشاف الدور الذي تنهض به هاتان المؤسستان، والتحديات التي تواجهانها، والرؤية التي تحملهما لمستقبل النشر الأكاديمي.
سؤال: كيف تعرّف نفسك، وما الدور الذي تؤديه في مشهد العلوم المفتوحة اليوم؟
إجابة نيلس: أنا نيلس ستيرن، وأشغل منذ عام 2021 منصب المدير التنفيذي لمكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN)، والمدير المشارك في دليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB). أعمل في مجال النشر الأكاديمي منذ أكثر من عشرين عامًا، ولديّ أكثر من عشر سنوات من الخبرة بصفتي خبيرًا مستقلًا لدى المفوضية الأوروبية في مجالات العلوم المفتوحة والبنى التحتية الرقمية. كما عملت على تطوير سياسات العلوم المفتوحة ضمن بيئات حكومية دولية، وساهمت في إدارة التراخيص وعمليات الشراء في المكتبات الجامعية الكبرى في الدنمارك، بما في ذلك اتحاد المكتبات الوطنية.
وفي السنوات الأخيرة، تولّيت التنسيق العلمي لمشروع PALOMERA المموّل من برنامج Horizon Europe، والذي قدّم توصيات محورية لدعم نشر الكتب بنظام الوصول المفتوح في منطقة البحث الأوروبية. كما ساهمت في تطوير “عدة العمل للكتب مفتوحة الوصول”، التي انبثق عنها مؤخرًا منتدى السياسات المعني بالكتب الأكاديمية مفتوحة الوصول — وهو لجنة دائمة تضم جهات تمويل أبحاث وصنّاع سياسات أوروبيين، تُركّز على بلورة سياسات واضحة لنشر الكتب الأكاديمية في إطار الوصول المفتوح.
سؤال: هل يمكنك التعريف بالمؤسستين اللتين تمثّلهما، وشرح رسالتهما الأساسية؟
إجابة نيلس: تُعدّ مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) مؤسسة غير ربحية تُعنى بنشر الكتب الأكاديمية المُحكّمة بنظام الوصول المفتوح، وتركّز على دعم التحوّل العالمي نحو هذا النموذج من النشر. وتقدّم (OAPEN) خدمات متخصصة لدور النشر والجهات المموِّلة والمكتبات والباحثين، وذلك عبر ثلاث منصات رئيسية:
- مكتبة (OAPEN)، التي بدأت عملها في عام 2010
- دليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB)، الذي أُطلق عام 2013
- مجموعة أدوات الكتب مفتوحة الوصول، التي أُنشئت عام 2020
تتوافق جهود (OAPEN) مع أجندة الأمم المتحدة 2030، وبشكل خاص مع أهداف التنمية المستدامة التالية: الهدف 4 (التعليم الجيد)، الهدف 9 (الصناعة والابتكار والبنية التحتية)، الهدف 10 (الحد من أوجه عدم المساواة)، والهدف 17 (عقد الشراكات لتحقيق الأهداف). كما تستند (OAPEN) في عملها إلى مبادئ البنية التحتية العلمية المفتوحة (POSI). وتتمثل الأهداف الرئيسة للفترة 2025–2028 في:
- تطوير الخدمات بما يلبّي احتياجات الجهات المعنية
- وتعزيز جودة الكتب ضمن مكتبة OAPEN، مع مراعاة تنوع النشر
- تحسين تجربة المستخدم في مكتبة OAPEN
- استكشاف سُبل توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في دعم الابتكار
- بناء شراكات فعالة وتعاون مثمر مع البنى التحتية المفتوحة وأصحاب المصلحة ذوي الصلة
يقدّم دليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB) فهرسًا موثوقًا للكتب الأكاديمية المنشورة بنظام الوصول المفتوح، ويضم أكثر من 90,000 عنوان صادر عن ما يزيد على 750 دار نشر، وبأكثر من 95 لغة. ويوفّر الدليل جميع خدماته مجانًا، كما يتيح بياناته البيبليوغرافية بموجب رخصة المجال العام CC0 (رخصة المشاع الابداعي CC0)، بما يضمن حرية الوصول وإعادة الاستخدام دون قيود. ويستند (DOAB) في عمله إلى شبكة من الشركاء الموثوقين، تضم: مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN)، مشروع MUSE، منصة Thoth، شبكة SciELO، Fulcrum، JSTOR، المنصة الإفريقية للبحوث المفتوحة، وOpenEdition. وتتركّز الأهداف الاستراتيجية لـ DOAB للفترة 2025–2028 على مواصلة تطوير بنيته وخدماته بما يدعم النشر الأكاديمي المنفتح ويعزز الموثوقية والتنوع في إنتاج المعرفة.
- التعريف بدليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB) وتوسيع إتاحته لدور النشر على مستوى عالمي
- إنشاء مجتمع مهني لمراجعة جودة الكتب مفتوحة الوصول
- ترسيخ مكانة دليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB) كمصدر موثوق ونقطة مرجعية تعتمد عليها المؤسسات والجهات المموِّلة في سياساتها واستراتيجياتها الخاصة بالكتب مفتوحة الوصول
- تعزيز القوة التشغيلية والمالية لدليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB) لضمان الاستقرار والمرونة
- إدخال الابتكار على خدمات دليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB) وتقليل احتمالية تراجع دورها أو استبدالها
سؤال: ما التحديات التي واجهتها مؤسستكم في الترويج للعلوم المفتوحة داخل مجتمعكم البحثي؟
إجابة نيلس: غالبًا ما تم تجاهل الكتب الأكاديمية في سياسات الوصول المفتوح، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى هيمنة النشر في الدوريات العلمية. وقد ساهمت عدة عوامل في إبطاء التقدم في هذا المجال، من بينها القيمة السوقية للكتب، وتعقيدات عملية النشر، واستمرار التركيز على النُسخ الورقية. كما لم تُدرَج الكتب ضمن المبادرات الأولى للوصول المفتوح، مثل مبادرة بودابست. لكننا نلاحظ في الآونة الأخيرة تحوّلًا في التوجّه، حيث بدأت مؤسسات تمويل الأبحاث وعدد من الجامعات — ومنها المفوضية الأوروبية والتحالف العلمي cOAlition S — في تبنّي سياسات تدعم نشر الكتب بنظام الوصول المفتوح.
ورغم هذا التقدّم، لا تزال هناك مجموعة من التحديات الأساسية، وأبرزها:
- ضمان توزيع عالمي منصف وشامل للكتب مفتوحة الوصول
- الحفاظ على معايير الجودة والمراجعة العلمية للكتب الأكاديمية، مع احترام تنوّع النشر
- الالتزام بمعايير عالية في إعداد البيانات البيبليوغرافية
- توفير البنية التقنية اللازمة لإدارة الفهرسة والتوزيع على المستوى العالمي
- تأمين مصادر تمويل مستدامة تضمن استمرارية تقديم خدمات البنى التحتية المجتمعية المعنية بالكتب مفتوحة الوصول وإدارتها
سؤال: لماذا قرّرت مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) الانضمام إلى منتدى البحوث المفتوحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (FORM)؟
إجابة نيلس: لأننا نتقاسم مع المنتدى القيم الجوهرية ذاتها، ونؤمن برسالته المتمثلة في دعم مسار العلوم المفتوحة داخل المكتبات البحثية والجامعات. نشأت مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) في أوروبا قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، وتوسّعت بشكل طبيعي داخل القارّة وشبكتها الأكاديمية، إضافة إلى أمريكا الشمالية. وبناءً على هذا الواقع، فإن من أولوياتنا في المرحلة المقبلة توسيع الشراكات لتشمل مناطق جديدة، مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك آسيا.
سؤال: كيف ترى إمكانيات التعاون بين المؤسستين لتحقيق الأهداف والرؤية المشتركة؟
إجابة نيلس: تمتلك مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) خبرة واسعة في بناء الشراكات ضمن منظومة العلوم المفتوحة، ومتابعة السياسات ذات الصلة، وتطوير البنى التحتية للنشر الأكاديمي بنظام الوصول المفتوح — وهي خبرات يمكن أن تسهم في دعم جهود منتدى البحوث المفتوحة (FORM) في مناطق مختلفة من العالم. كما أن دليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB)، بما يوفّره من قاعدة شاملة للكتب الأكاديمية، يتقاطع في أهدافه مع رؤية المنتدى الساعية إلى توسيع الوصول إلى المعرفة وتعزيز قابلية اكتشافها. ويأتي هذا في انسجام مع هدف DOAB بأن يصبح المرجع العالمي الأساسي لاكتشاف الكتب مفتوحة الوصول، بما يضمن إتاحة الإنتاج العلمي على نحو عادل وشامل، بصرف النظر عن الموقع الجغرافي أو الإمكانات الاقتصادية.
سؤال: هل هناك أمر آخر تودّ أن تضيفه إلى هذا الحوار؟
إجابة نيلس: نستعد في مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) للدخول في مرحلة جديدة من العمل، تبدأ بالاحتفال هذا العام بمرور خمسة عشر عامًا على إطلاق المكتبة، منذ تدشينها الرسمي في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عام 2010. وبهذه المناسبة، نخطط لتنظيم فعالية تجمعنا بعدد من شركائنا في النشر، نراجع خلالها ما أنجزته المؤسسة، ونتأمّل مسار الوصول المفتوح للكتب منذ انطلاق هذه المبادرة.*
وسّعت مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) تعاونها مع المجلس الأوروبي للبحوث النووية (CERN) لتعزيز نشر الكتب بنظام الوصول المفتوح. واعتبارًا من عام 2024، يتولى مركز بيانات CERN استضافة مكتبة OAPEN ودليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB)، مما يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية وتعزيز موثوقية خدمات المؤسستين. ويمكن الاطلاع على جميع التفاصيل ذات الصلة من خلال البيان الصحفي الرسمي.
كما نعمل في هذه المرحلة على إجراء مراجعة تقنية شاملة لتقييم البيئة التكنولوجية التي نعتمد عليها، بما يشمل البنية التحتية والأنظمة والعمليات التشغيلية. وتشمل هذه المراجعة أيضًا تحليل الوثائق الحالية بدقة، بهدف رصد أي فجوات أو نقاط ضعف أو تباينات قد تؤثر في جودة الأداء. ونسعى من خلال ذلك إلى تطوير توصيات قابلة للتنفيذ تُسهم في تحسين المنظومة التقنية وتعزيز الكفاءة التشغيلية للمؤسسة ككل.
إضافة إلى المشاريع الحالية، نخصّص حاليًا موارد لتحديث منصة DSpace التي نعتمدها، من خلال الانتقال إلى الإصدار الأحدث. ونهدف من هذه الخطوة إلى تحقيق تحسينات جوهرية تسهم في تعزيز تجربة المستخدم بشكل ملموس، خاصة في ظل التزايد المستمر في عدد القرّاء وتوسّع نطاق الاستخدام. ونؤمن بأن وجود بنية تقنية قوية وموثوقة يُعد أمرًا أساسيًا لضمان استمرارية الوصول إلى مواردنا، وتقديم خدمات فعالة تستجيب لحاجات مجتمع المستخدمين المتنامي.
تُسهم مكتبة الكتب الرقمية مفتوحة الوصول (OAPEN) ودليل الكتب مفتوحة الوصول (DOAB) في رسم ملامح مستقبل النشر الأكاديمي بنظام الوصول المفتوح، من خلال الشراكات الاستراتيجية والابتكار المستمر. ومع اتساع نطاق هذه الحركة، تزداد أهمية الدور الذي تنهض به المؤسستان في ضمان إتاحة البحوث العلمية عالية الجودة للجميع، دون أن تكون الجغرافيا أو الوضع الاقتصادي عائقًا أمام الوصول إليها.